كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فبلغ ذلك بتاركة سائر البلاد، فجرت بينهم مراسلات، واتفقوا على تخطيئته واجتمع منهم مائتا أسقف في مدينة أفسيس، وأرسلوا إليه للمناظرة، فامتنع ثلاث مرات، فأجمعوا على لعنه، فلعنوه ونفوه، وبينوا أن مريم ولدت إلهًا، وأن المسيح إله حق من إله حق، وهو إنسان وله طبيعتان.
فلما لعنوا نسطورس تعصب له بترك إنطاكية، فجمع الأساقفة فلم يزل الملك حتى الذين قدموا معه، وناظرهم وقطعهم، فتقاتلوا وتلاعنوا، وجرى بينهم شر، فتفاقم أمرهم، ثم أصلح بينهم، فكتب أولئك صحيفة: أن مريم القديسة ولدت إلهًا، وهو ربنا يسوع المسيح، الذي هو مع الله في الطبيعة، ومع الناس في الناسوت. وأقروا بطبيعتين وبوجه واحد، وأقنوم واحد، وأنفذوا لعن نسورس.
فلما لعنوه ونفي، سار إلى مصر وأقام في أخميم سبع سنين ومات ودفن بها، وماتت مقالته، إلى أن أحياها ابن صرما مطران نصيبين، وبثها في بلاد المشرق، فأكثر نصارى المشرق والعراق نسطورية.
فانفض ذلك المجمع الرابع أيضًا، وقد أطبقوا على لعن نسطوري وأشياعه، ومن قال بمقالته.
المجمع الخامس:
ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع خامس، وذلك: أنه كان بالقسطنطينية طبيب راهب يقال له: أوطيسوس، يقول: إن جسد المسيح ليس هو مع أجسادنا بالطبيعة، وإن المسيح قبل التجسد من طبيعتين، وبعد التجسد طبيعة واحدة. وهو أول من أحدث هذه المقالة وهي مقالة اليعقوبية، فرحل إليه بعض الأساقفة، فناظره وقطعه ودحض حجته، ثم صار إلى قسطنطينية فأجبر بتركها بالمناظرة وبانقطاعه، فأرسل بترك القسطنطينية إليه فاستحضره، وجمع جمعًا عظيمًا وناظره، فقال أوطيسوس: إن قلنا إن المسيح طبيعتين، فقد قلنا بقول نسطورس، ولكنا نقول: إن المسيح طبيعة واحدة، وأقنوم واحد، لأنه من طبيعتين كانتا قبل التجسد، فلما قبل التجسد زالت عنه وصار طبيعة واحدة وأقنومًا واحدًا، فقال له بترك القسطنطينية: إن كان المسيح طبيعة واحدة فالطبيعة القديمة هي الطبيعة المحدثة، وإن كان القديم هو المحدث فالذي لم يزل هو الذي لم يكن، ولو جاز أن يكون القديم هو المحدث لكان القائم هو القاعد، والحار هو البارد. فأبى أن يرجع عن مقالته فلعنوه، فاستعدى إلى الملك، وزعم أنهم ظلموه، وسأله أن يكتب إلى جميع البتاركة للمناظرة، فاستحضر الملك البتاركة والأساقفة من سائر البلاد إلى مدينة أفسيس، فثبت بترك الإسكندرية مقالة أوطيسوس، وقطع بتارك القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس وسائر البتاركة والأساقفة، وكتب إلى بترك رومية وإلى جماعة الكهنة فحرمهم ومنعهم من القربان إن لم يقبلوا مقالة أوطيسوس، ففسدت الأمانة، وصارت مقالة أوطيسوس خاصة بمصر والإسكندرية، وهو مذهب اليعقوبية.
فافترق هذا المجمع الخامس وكل فريق يلعن الآخر ويحرمه، ويبرأ من مقالته.
المجمع السادس:
فصل:
ثم كان لهم بعد هذا مجمع سادس في مدينة حلقدون، فإنه لما مات الملك ولي بعده مرقيون، فاجتمع إليه الأساقفة من سائر البلاد، فأعلموه ما كان من ظلم ذلك المجمع وقِلَّة الإنصاف، وأن مقالة أوطيسوس قد غلبت على الناس وأفسدت دين النصرانية، فأمر الملك باستحضار سائر البتاركة والمطارنة والأساقفة إلى مدينة حلقدون، فاجتمع فيها ستمائة وثلاثون أسقفًا، فنظروا في مقالة أوطيسوس وبترك الإسكندرية الذي قطع جميع البتاركة فأفسد الجميع مقالتهما ولعنوهما، وأثبتوا أن المسيح إله وإنسان في المكان، مع الله باللاهوت، وفي المكان معنا بالناسوت، يعرف بطبيعتين، تام باللاهوت، وتام بالناسوت، ومسيح واحد، وثبتوا أقوال الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًا، وقبلوا قولهم بأن الابن مع الله في المكان نور من نور إله حق من إله حق، ولعنوا أريوس، وقالوا: إن روح القدس إله، وإن الأب والابن وروح القدس واحد بطبيعة واحدة وأقانيم ثلاثة، وثبتوا قول المجمع الثالث في مدينة أفسيس، أعني: المائتي أسقف على نسطورس، وقالوا: إن مريم العذراء ولدت إلهًا ربنا اليسوع المسيح، الذي هو مع الله بالطبيعة، ومع الناسوت بالطبيعة. وشهدوا أن للمسيح طبيعتين وأقنومًا بافسيس، ثم المجمع الثالث المأتي أسقف بمدينة أفسيس أول مرة، ولعنوا تسطورس، وبين نسطورس إلى مجمع حلقدون أحد وعشرون سنة، فانفض هذا المجمع وقد لعنوا من مقدميهم وأساقفتهم من ذكرنا، وكفروهم، وتبرؤا منهم ومن مقالاتهم.
المجمع السابع:
ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع سابع، في أيام أنسطاس الملك، وذلك: أن سورس القسطنطيني كان على رأي أوطيسوس، فجاء إلى الملك فقال: إن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين قد أخطأوا في لعن أوطيسوس وبترك الإسكندرية، والدين الصحيح ما قالاه، فلا يقبل دين من سواهما، ولكن أكتب إلى جميع عمالك أن يلعنوا الستمائة وثلاثين، ويأخذوا الناس بطبيعة واحدة، ومشيئة واحدة، وأقنوم واحد، فأجابه الملك إلى ذلك، فلما بلغ إيليا بترك بيت المقدس جمع الرهبان ولعنوا أنسطاس الملك وسورس، ومن يقول بمقالتهما، فبلغ ذلك أنسطاس ونفاه إلى أيلة، وبعث يوحنا بتركا على بيت المقدس، لأن يوحنا كان قد ضمن له أن يلعن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين، فلما قدم إلى بيت المقدس اجتمع الرهبان وقالوا، إياك أن تقبل من سورس، ولكن قاتل عن المجمع الحلقدوني ونحن معك، فضمن لهم ذلك وخالف أمر الملك، فبلغ ذلك الملك فأرسل قائدًا وأمره أن يأخذ يوحنا بطرح المجمع الحلقدوني، فإن لم يفعل بنفيه عن الكرسي، فقدم القائد وطرح يوحنا في الحبس، فصار إليه الرهبان في الحبس، وأشاروا عليه بأن يضمن للقائد أن يفعل ذلك، فإذا حضر فليقر بلعنة من لعنه الرهبان، ففعل ذلك، واجتمع الرهبان وكانوا عشرة آلاف راهب، ومعهم مدرس وسابا ورؤساء الديرات، فلعنوا أويسوس وسورس ونسطورس ومن لا يقبل المجمع الحلقدوني، وفزع رسول الملك من الرهبان، وبلغ ذلك الملك، فهم بنفي يوحنا، فاجتمع الرهبان والأساقفة فكتبوا إلى أنسطاس الملك أنهم لا يقبلون مقالة سورس، ولا أحد من المخالفين، ولو أهريقت دماؤهم، وسألوه أن يكف أذاه عنهم، وكتب بترك رومية إلى الملك بقبح فعله ويلعنه، فانفض هذا المجمع أيضًا وقد تلاعنت فيه هذه الجموع على ما وصفنا.
وكان لسورس تلميذ يقال له يعقوب، يقول بمقالة سورس، وكان يسمى يعقوب البرادعي وإليه تنسب اليعاقبة، فأفسد أمانة النصارى.
ثم مات أنسطاس وولي قسطنطين، فرد كل من نفاه أنسطاس الملك إلى موضعه، واجتمع الرهبان، وأظهروا كتاب الملك، وعيدوا عيدًا حسنًا بزعمهم، وأثبتوا المجمع الحلقدوني بالستمائة وثلاثين أسقفًا.
ثم ولي ملك آخر، وكانت اليعقوبية قد غلبوا على الإسكندرية، وقتلوا بتركًا لهم يقال له: بولس، كان ملكيًا، فأرسل قائدًا ومعه عسكر عظيم إلى الإسكندرية، فدخل الكنيسة في ثياب البترك، وتقدم وقدس، فرموه بالحجارة حتىكادوا يقتلونه، فانصرف، ثم أظهر لهم من بعد ثلاثة أيام أنه قد أتاه كتاب الملك، وضرب الجرس ليجتمع الناس يوم الأحد في الكنيسة، فلم يبق أحد بالإسكندرية حتى حضر لسماع كتاب الملك، وقد جعل بينه وبين جنده علامة إذا هو فعلها وضعوا السيف في الناس، فصعد المنبر وقال: يا معشر أهل إسكندرية، إن رجعتم إلى الحق وتركتم مقالة اليعاقبة، وإلا لن تأمنوا أن يرسل إليكم الملك من يسفك دمائكم. فرموه بالحجارة حتى خاف على نفسه أن يُقتل، فأظهر العلامة، فوضعوا السيف على كل من في الكنيسة، فقتل داخلها وخارجها أمم لا تحصى كثرة، حتى خاض الجند في الدماء، وهرب منهم خلق كثير، وظهرت مقالة الملكية.
المجمع الثامن:
ثم كان لهم بعد ذلك مجمع ثامن، بعد المجمع الحلقدوني الذي لعن فيه اليعقوبية بمائة سنة وثلاث سنين، وذلك: أن أسقف منبج- وهي بلدة شرقي حلب بالقرب منها، وهي مخسوفة الآن- كان يقول بالتناسخ، وأن ليس قيامة، وكان أسقف الرها وأسقف المصيصة وأسقف آخر يقولون: إن جسد المسيح خيال غير حقيقة. فحضرهم الملك إلى قسطنطينية، فقال لهم بتركها إن كان جسده خيالًا فيجب أن يكون فعله خيالًا، وقوله خيالًا، وكل جسد يعاين لأحد من الناس أو فعل أو قول فهو كذلك، وقال لأسقف منبج: إن المسيح قد قام من الموت، وأعلمنا أنه كذلك يقوم الناس من الموت يوم الدينونة، وقال في إنجيله: لن تأتي الساعة حتى أن كل من في القبور إذا سمعوا قول ابن الله يجيبو، فكيف تقولون:ليس قيامة؟.
فأوجب عليهم الخزي واللعن، وأمر الملك أن يكون لهم مجمع يلعنون فيه، واستحضر بتاركة البلاد، فاجتمع في هذا المجمع مائة وأربعة وستون أسقفًا، فلعنوا أسقف منبج وأسقف المصيصة، وثبتوا على قول أسقف الرها، أن جسد المسيح حقيقة لا خيال، وأنه إله تام، وإنسان تام، معروف بطبيعتين ومشيئتين وفعلين، أقنوم واحد، وثبتوا المجامع الأربعة التي قبلهم بعد المجمع الحلقدوني، وأن الدنيا زائلة، وأن القيامة كائنة، وأن المسيح يأتي بمد عظيم، فيدين الأحياء والأموات، كما قال الثلاثمائة والثمانية عشر.
المجمع التاسع:
فصل:
ثم كان لهم مجمع تاسع في أيام معاوية بن أبي سفيان، تلاعنوا فيه، وذلك: أنه كان برومية راهب قديس يقال له: مقسلمس، وله تلميذان، فجاء إلى قسطا الوالي، فوبخه على قبح مذهبه، وشناعة كفره، فأمر به قسطًا فقطعت يداه ورجلاه ونزع لسانه، وفعل بأحد التلميذين مثله، وضرب الآخر بالسياط ونفاه، فبلغ ذلك ملك قسطنطينية ابتدأها لكيما يطرح جميع الآباس القديسين كل من استحق اللعنة، فبعث إليه مائة وأربعين أسقفًا وثلاث شمامسة، فلما وصلوا إلى قسطنطينية جمع الملك مائة وثمانية وستين أسقفًا فصاروا ثلاثمائة وثمانية، وأسقطوا الشمامسة في البرطحة، وكان رئيس هذا المجمع بترك قسطنطينية وبترك أنطاكية، ولم يكن لبيت المقدس والإسكندرية بترك، فلعنوا من تقدم من القديسين الذين خالفوهم، وسموهم واحدًا واحدًا وهم جماعة، ولعنوا أصحاب المشيئة الواحدة، ولما لعنوا هؤلاء جلسوا فلخصوا الأمانة المستقيمة بزعمهم، فقالوا: نؤمن بأن الواحد من اللاهوت، الابن الوحيد الذي هو الكلمة الأزلية الدائم، المستوى مع الأب الإله في الجوهر، الذي هو ربنا اليسوع المسيح بطبيعتين تامتين، وفعلين، ومشيئتين، في أقنوم واحد، ووجه واحد، يعرف تامًا بلاهوته، تامًا بناسوته، وشهدت كما شهد مجمع الحلقدونية على ما سبق: أن الإله الابن في آخر الأيام اتحد مع العذراء السيدة مريم القديسة جسدًا إنسانًا بنفسين، وذلك برحمة الله تعالى محب البشر، ولم يلحقه اختلاط ولا فساد ولا فرقة ولا فصل، ولكن هو واحد يعمل بما يشبه الإنسان أن يعمله في طبيعته وما يشبه الإله أن يعمل في طبيعته، الذي هو الابن الوحيد، والكلمة الأزلية المتجسدة، إلى أن صارت في الحقيقة لحمًا كما يقول الإنجيل المقدس، من غير أن تنتقل عن محلها الأزلي، وليست بمتغيرة، لكنها بفعلين ومشيئتين وطبيعتين إلهية، وأنسى الذي بهما يكون القول الحق، وكل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها، مشيئتين غير متضادتين ولا متضارعتين، ولكن مع المشيئة الأنسية في المشيئة الإلهية القادرة على كل شيء.
هذه شهادتهم وأمانة المجمع السادس من المجمع الحلقدوني، وثبتوا ما ثبته الخمس مجامع التي كانت قبلهم، ولعنوا من لعنوه، وبين المجمع الخامس إلى هذا المجمع مائة سنة.
المجمع العاشر:
فصل:
ثم كان لهم مجمع عاشر، لما مات الملك وولي بعده ابنه، واجتمع فريق المجمع السادس وزعموا أن اجتماعهم كان على الباطل، فجمع الملك مائة وثلاثين أسقفًا، فثبتوا قول المجمع السادس، ولعنوا من لعنهم وخالفهم، وثبتوا قول المجامع الخمسة، ولعنوا من لعنوا وانصرفوا.
فانقرضت هذه المجامع والحشود، وهم علماء النصارى وقدماؤهم، وناقلوا الدين إلى المتأخرين، وإليهم يستند من بعدهم، وقد اشتملت هذه المجامع العشرة المشهورة على زهاء أربعة عشر ألفًا من الأساقفة والبتاركة والرهبان، كلهم يكفّر بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا، فدينهم إنما قام على اللعنة بشهادة بعضهم على بعض، وكل منهم لاعن ملعون.